[rtl]
يتميز الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بشعورهم القوي بالأهمية و العظمة و التفرد. بالتأكيد سيرافق هذا الشعور الكثير من المشاكل الإجتماعية كون هذا الإنسان لن يتمكن من إشباع هذا الإحساس بمعزل عن الآخرين بل لا بد أن يعطى حقوقه المزعومة من التعظيم و التبجيل من الآخرين (الأقل منه حسب اعتقاده). لا يعني أن المصاب بالنرجسية شخص لا يستحق الإهتمام أو أنه غير منتج اجتماعيا أو غير مؤهل علميا بل قد يكون بالفعل من الأشخاص المتميزين اجتماعيا إلا أن إحساسه بأن الكون يدور حوله (المبالغة في تضخيم انجازاته) و حسب و كل الآخرين لا شيء أمامه هو ما يجعل شعوره و ردود فعله العاطفية و الإجتماعية مصنف كإضطراب في شخصيته.
يعاني النرجسي كثيرا لأنه على أرض الواقع لن يجد من يشبع رغباته في كل وقت و في كل الأحوال و هذا ما قد يؤدي إلى المرض النفسي في النهاية.
قد يكون الشعور بالأهمية و العظمة جزء من خيال الشخص المصاب أو أحلام يقظته دون أن يصرح بهذا و دون أن يعلم بها الآخرون و هذا لا يعني أن معاناته أقل ممن تكون أعراض الاضطراب بادية عليه و ملاحظة من قبل الآخرين.
يوجد هذا الاضطراب بنسبة أربعة في الألف في المجتمع عموما و يكون أكثر شيوعا بين الذكور. و تتنوع صوره بين الشعور بالقوة المطلقة, الجمال المتفرد, الأهمية القصوى...إلخ. و في كافة الصور, لا يتوقع هذا الشخص أن يوجه له أحد النقد أو اللوم أو حتى النصح لتغيير أي من سلوكياته و إذا وجه له اللوم أو النقد فإنه لا يضع له أي اعتبار. و لهذا لا تجد للنرجسي علاقات ثابتة أو وثيقة مع الآخرين.
الأسباب:
لم يتم دراسة أسباب اضطراب الشخصية النرجسية بشكل جدي لحد الآن و تتوافر القليل من المعلومات بهذا الخصوص. يعتقد أن الأسباب متعددة و متداخلة فيما بينها. هذه الأسباب تصنف لأسباب عضوية و نفسية و اجتماعية و تطورية.
الأسباب العضوية تتمثل في اختلال نسب بعض النواقل العصبية بين خلايا الدماغ.
أما الأسباب النفسية و التطورية فيعتقد أن حالة من الغضب الشديد عانى منها الشخص المصاب مبكرا في طفولته تجاه أفراد يشكلون أهمية مركزية في حياته. كما يعتقد أن وراء التعظيم المتعمد للذات شعورا دفينا بالدونية يسكن كل أركان النفس في الشخص المصاب و ما هذه التصرفات النرجسية إلا وسيلة دفاع غير واعية ضد هذا الشعور. كما يعتقد البعض أن السبب تربوي بحت يكمن في حدة انتقادات الأبوين الموجهة لأبنائهم كجزء من الحرص عليهم و توقعاتهم العالية في أطفالهم. معظم النرجسيين غالبا ما يكونون أول أطفال الأسرة أو الوحيدين لآبائهم. و اعتقد بعض الباحثين أن الآباء استخدموا أطفالهم دون وعي لتمرير رغباتهم و أمانيهم.
أما اجتماعيا, فيرى بعض المختصين في هذا المجال أن النرجسية ليس مرضا بل ظاهرة سببها الواقع الغربي المعاصر و الذي يوصف بأنه (حضارة نرجسية(.
الصورة الإكلينيكية
يبدأ هذا الاضطراب في التبلور والوضوح في سن مبكرة (المراهقة) و يستمر و يزداد مع العمر.
تتنوع الصور الإكلينيكية كثيرا بل قد تتضارب في نفس الشخص. فبالرغم من النرجسية الشديدة و عدم المبالاة بالآخرين, قد يظهر المريض محاولات مستميتة لنيل رضا الآخرين و جذبهم له كمحاولة لتغطية الشعور الطاغي بعدم أهمية الآخرين بالنسبة له. و يمتدح النرجسيون من يعظمهم و يملأ رغباتهم بكيل التبجيل لهم. قد يحقق النرجسيون نجاحا باهرا على مستوى الدراسة أو الوظيفة أو على المستوى الاجتماعي لكن كل ما يهمه ليس الإنتاج نفسه بل نيل المديح و التقدير من الآخرين فقط. يكثر النرجسيون من الكذب و التلفيق و التبريرات الغير صادقة.
تتأثر مشاعر النرجسيين كثيرا في حال اضمحلال المصادر الخارجية التي تغذي شعورهم بالعظمة و التفرد حيث تبدو شخصياتهم الهشة على حقيقتها. يعانون أيضا من الخواء العاطفي فلا شعور حقيقي بالحزن أو الفرح. كما يعانون كذلك من التفاوت المفاجئ و المتكرر في أمزجتهم.
قدرة النرجسي على الحب جد محدودة وكل ما يملكونه هو أحلام اليقظة التي تنشد العيش في حب مثالي بعيد عن الواقع. كما أن النشاط الجنسي في نظر النرجسي شيء تافه يعبر عن لذة جسدية فقط و ليس تعبير عن مشاعر و أحاسيس بين شخصين. و قد يظهر على النرجسي بعض السلوك الداعر. لا يستطيع النرجسي غالبا الحفاظ على علاقات ثابتة و راسخة حيث أن الشعور بالملل و تصرفات النرجسي يفكك هذه العلاقات بعد وقت قصير من بدايتها.
يستخدم النرجسيون قدرتهم اللغوية لإظهار تفردهم و عظمتهم و ليس كوسيلة للتواصل أو فهم الآخرين. يحرص النرجسي على الاستعراض كثيرا لقدراته اللغوية و لا يهمه محتوى ما يقدمه من كلام و الذي عادة لا يتميز بالفعل بشيء عن الآخرين إن لم يكن أقل أو حتى فارغا من المحتوى.
أهم عناصر التشخيص ما يلي:
شعور مستمر ومبالغ فيه بالعظمة (كخيال أو سلوك) مع الحاجة للثناء و الإطراء و يبدأ بسن مبكرة وتشير إليه خمسة أو أكثر من العناصر التالية:
1 - الشعور بالعظمة و الأهمية كالمبالغة في الانجازات أو توقع أن يعامل باستثنائية دون مبرر لذلك.
2 - دائم الانشغال بخيال النجاح الباهر و التميز و القوة و الجمال و الحب المثالي.
3 - الاعتقاد بأنه متميز و لا يفهمه و لا يرتبط به إلا المتميزون أمثاله.
4 - بحاجة ماسة و مستمرة للمديح و الإطراء.
5 - يحب أن يلقب بألقاب العظمة و يشعر أنه يجب أن يطاع دون نقاش.
6 - يستغل الآخرين لصالحه.
7 - لا يشعر بأهمية أو شعور الآخرين.
8 - يحسد الآخرين و يشعر أن الآخرين يحسدونه أيضا.
9 - تظهر عليه الغطرسة والتعالي.
الأمراض المصاحبة:
غالبا ما تصاحب هذا النوع من الاضطراب في الشخصية العديد من الأمراض النفسية مثل:
1 - الاكتئاب.
2 - أمراض القلق.
3 - نقص الشهية العصبي
4 - إدمان المخدرات.
5 - اضطرابات (أو أعراض) أخرى في الشخصية مثل:
أ) الشخصية الحدية (البينية)
ب) الشخصية الهستيرية.
ج) الشخصية المرتابة (الشكاكة)
د) الشخصية المعادية للمجتمع.
ه) الشخصية الفصامية.
كما أنه معرض للإصابة بأعراض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب[/rtl]
[rtl] (Bipolar Affective Disorder) [/rtl]
[rtl]و لكن نوبات الهوس (Manic Episodes) قصيرة المدة و يحتفظ المريض خلالها باستبصاره وخصائص شخصيته النرجسية أيضا.
هناك نوع من النرجسية الخبيثة "Malignant Narcissism" حيث يظهر المريض بالإضافة إلى أعراض نرجسية شديدة الكثير من التصرفات المعادية للمجتمع[/rtl]
[rtl](Antisocial Behavior) [/rtl]
[rtl]فلا يكتفي بالاستعلاء على الآخرين والشعور بالعظمة بل يسعى لضررهم بوسائل شتى.
مسار ومآل الاضطراب:
غالبا يصاب اشخص النرجسي بالاكتئاب والهوس بشكل متكرر و بالذات في أواسط العمر حيث يعاني من أزمات حادة من الشعور بخيبة الأمل و الغضب و الشعور بتلاشي أسباب نرجسيته.
المسار عموما يتخذ المنحى المزمن و مقاومة أغلب أساليب العلاج. بل و يضاف لها الأمراض النفسجسمانية والقلق والشعور بالخواء.
العلاج:
عادة لا يلجأ المصاب بالشخصية النرجسية للطبيب طلبا للعلاج إلا حال إصابته بأحد الأمراض المصاحبة لاضطراب شخصيته مثل القلق و الاكتئاب أو من مشاكل في علاقته بالآخرين و بالذات المقربين منه.
1 - العلاج الدوائي:
لا يوجد علاج ناجح لاضطراب الشخصية النرجسية إلا أن المهدئات و مضادات الاكتئاب و بالذات مثبطات ارتجاع السيروتونين مثل البروزاك في التحكم في الأعراض المصاحبة مثل القلق, نوبات الغضب, نوبات تقلب المزاج, الاكتئاب و العدوانية النرجسية.
2 - العلاج النفسي:
العلاج الفردي هو الأمثل بين العلاجات النفسية رغم أنه يحمل خطورة تولد شعور بالعدائية بين المعالج و مريضه نظرا لحدة سمات الشخصية النرجسية.
[/rtl]