أصدقائي الأعزاء. : نِعَمُ اللهِ عَلَينا كَثيرةٌ، ومن أهَمِّها نِعمةُ السَّمعِ، وقد قَدَّمَها على غَيْرِها من نِعَمِ البَصَرِ والعَقْلِ في قَولِهِ: (إنَّ السَّمعَ والبَصَرَ والفؤادَ كُلُّ أولئكَ كانَ عَنهُ مَسؤُولاً) [الإسراء 36].ومن أجلِ المحافظةِ على هذه النِّعمةِ نَتَعَرَّفُ مَعَاً على أهمِّ الأمراضِ والمخاطرِ التي تُصِيبُها، فقد تُؤَدِّي بَعضُ اضطراباتِ الأذنِ إلى فَقْدِ السَّمْعِ،
كما يُؤَثِّرُ ذلك في توازُنِ الإنسانِ، وأسبابُ تلك الاضطراباتِ مُختَلِفةٌ، فمنها عُيُوبٌ خَلْقِيّةٌ، ومنها إصاباتٌ، ومنها أمراضٌ.
أمّا العُيُوبُ الخَلْقيّةُ الوِلادِيّةُ فقد يُولَدُ بَعضُ الأطفالِ مُصابِينَ بعُيُوبٍ في الأذُنِ الخارِجِيّةِ أو طَبْلةِ الأذنِ أو العُظَيماتِ السَّمْعِيّةِ، وتَتَراوَحُ هذه العُيُوبُ بين التَّشَوُّهِ وعَدَمِ تَكَوُّنِ الأذُنِ مُطلَقاً، وقد تُعالَجُ بَعضُ تلك العُيُوبُ جِراحِيّاً، ويُمكِنُ للجَرّاحِينَ أن يَقُومُوا ببِناءِ أذُنٍ خارِجِيّةٍ بالاستِعانةِ بأنسِجةٍ أُخرى من جِسمِ الطِّفلِ، كما يُمكِنُهُم وَضعُ عُظَيماتٍ صِناعِيّةٍ من البلاستِيكِ، أو السِّلكِ المَعْدِنِيّ أو نَقلُ عُظَيماتٍ طَبِيعِيّةٍ من شَخصٍ مُتَوَفًّى. وقد يَكُونُ العَيبُ غِياباً للأذنِ الدّاخليّةِ أو عَدَمَ نُمُوِّها بشَكْلٍ تامٍّ، ومِثْلُ هذا العَيبِ لا يُمكِنُ إصلاحُهُ، وقد تُصاحِبُ هذه العُيُوبَ عاهاتٌ في أجزاءٍ أخرى من الجِسْمِ، وتَتَرَاوَحُ نِسبةُ الأمراضِ الوراثِيّةِ بين 30 و40%.
وهناك أدويةٌ مُعَيَّنةٌ إذا استُعمِلَت أثناءَ الحَملِ فإنَّها تَمنَعُ النُّمُوَّ الطَّبِيعِيَّ للقَوقَعةِ والعَصَبِ السَّمْعِيِّ، كما يُمكِنُ أن تُتلِفَ أذُنَ الرَّضِيعِ نَتِيجةَ تَعَرُّضِ رأسِهِ للإصاباتِ أو نَتِيجةَ نَقصِ الأكسِجِين، أو بَعضِ الصَّدَماتِ أثناءَ الوِلادةِ أو بَعدَها مُباشرةً.
يَنبَغِي أن تُختَبَرَ حاسَّةُ السَّمعِ لدى الأطفالِ حَدِيثِي الولادةِ خِلالَ أيّامٍ مَعدُودةٍ إذا ما كانَ هناك شَكٌّ بإصابَتِهِم بثِقَلٍ شَدِيدٍ في السَّمعِ، ويُمكِنُ للكثيرِ من الأطفالِ الصُّمِّ تَعَلُّمُ التَّكَلُّمِ وقراءةُ الشِّفاهِ، إلا أنّ ذلك يَتَطَلَّبُ تَدرِيباً مُنذُ الصِّغَرِ، ويُمكِنُ للأطفالِ المُصابِينَ بثِقَلٍ خَفِيفٍ في السَّمعِ استعمالُ مُساعِدِاتِ السَّمْعِ.
أمّا الإصاباتُ التي يُمكِنُ أن تُصِيبَ الأذنَ فيُمكِنُ لأيٍّ من ضَرَباتِ الرَّأسِ أو الحُرُوقِ الشَّدِيدةِ أو الإصاباتِ الأخرى أن تُتْلِفَ جَمِيعَ أجزاءِ الأذُنِ، وقد يَنجُمُ عن ذلك فَقْدُ السَّمْعِ بشَكْلٍ مُؤَقَّتٍ أو دائمٍ، كما قد تَحدُثُ إصابةُ الأذنِ نَتِيجةَ التَّغَيُّراتِ الفُجائِيّةِ في الضَّغْطِ، إذ يَتَعَرَّضُ الغَوّاصُونَ مَثَلاً إلى تَغَيُّراتٍ في ضَغطِ الماءِ أثناءَ غَوصِهِم إلى أعماقٍ كَبِيرةٍ تَحتَ سَطحِ الماءِ، وعِندَ صُعُودِهِم إلى السَّطْحِ مَرّةً أخرى، ويَنبَغِي لَهُم حِينَئِذٍ الهُبُوطُ والصُّعُودُ ببُطْءٍ لِتَجَنُّبِ مِثلِ هذه الإصابةِ.
وقد تُؤَدِّي الضّوضاءُ العاليةُ جِدّاً كالانفجاراتِ وطَلَقاتِ البَنادِقِ إلى تَمَزُّقِ طَبْلةِ الأذُنِ وكَسْرِ العُظَيماتِ السَّمْعيّةِ أو خَلْعِها، وقد تُتلِفُ أيضاً الأنسجةَ الدَّقِيقةَ للأذنِ الدّاخليّةِ ولا عِلاجَ لِهذهِ الحالةِ الأخيرةِ، أمّا إصاباتُ الأذنِ الوُسْطى، فقد يَتِمُّ إصلاحُ العَدِيدِ منها جِراحِيّاً.
قد يُؤدِّي التَّعَرُّضُ إلى ضَجِيجٍ لفَتْرةٍ طَوِيلةٍ، إلى فَقْدٍ تَدرِيجِيٍّ للسَّمْعِ،كما يَحدُثُ لدى التَّعَرُّضِ للضَّوْضاءِ في أماكنِ العَمَلِ أو الاستِماعِ الدّائمِ إلى مُوسِيقى صاخبةٍ، ويَنبَغِي عُمُوماً تَجَنُّبُ الضَّوضاءِ العاليةِ كُلّما أمكَنَ ذلك، وارتداءُ واقياتِ الأذنِ ولاسِيَّما في الأماكنِ الصّاخِبةِ.
وقد تَتَضَرَّرُ الخلايا الشَّعْرِيّةُ للقَوقَعةِ، وكذلك العَصَبُ السَّمعِيُّ نَتِيجةَ تَنَاوُلِ بَعْضِ الأدويةِ بِما فيها الأسْبِرِيْن، وبعضُ المُضادّاتِ الحَيَوِيّةُ، وقد يُؤدّي الاستمرارُ في تَعَاطِيها إلى فِقدانِ السَّمْعِ، وأحياناً يَعُودُ السَّمْعُ إلى وَضعِهِ الطَّبِيعِيِّ بَعدَ التَّوَقُّفِ عن تَعاطِي تلك الأدويةِ.
أمّا الأمراضُ التي يُمكِنُ أن تُصِيبَ أذُنَ الإنسانِ فأهَمُّها التهابُ الأذنِ الوُسْطى، وتَصَلُّبُ عُظَيماتِ الأذُنِ، ووَرَمُ العَصَبِ السَّمْعِيِّ، وداءُ مِيْنْيِيْر، وصَمَمُ الشَّيْخُوخَةِ.
أمّا داءُ مِيْنْيِيْر فهو مَرَضٌ يُصِيبُ الأذنَ الدّاخليّةَ، ويَتَمَيَّزُ بنَوْباتٍ دَوْرِيّةٍ من فَقْدِ السَّمْعِ مع طَنِينٍ ودُوارٍ، وبتَكْرارِ النَّوْباتِ يُصبِحُ فَقدُ السّمْعِ شَدِيداً.
كما أنَّنا مَدْعُوُّونَ بِصِفَتِنا مُسلِمِينَ إلى صِيانةِ آذانِنا عن سَماعِ ما حَرَّمَ اللهُ من المَعَازِفِ، والكلامِ الفاحشِ البَذِيءِ، والخَوْضِ في أعراضِ النّاسِ، وهذا ما أرَدْناهُ عِندَ استِشهادِنا بقَوْلِهِ، تَعَالَى: (إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أولئكَ كانَ عَنهُ مَسؤُولاً).